عام السيجار
مع بداية السنة الجديدة يكون مر ست أشهر على دخولي عالم السيجار، كنت قد وقفت قبلهم لثلاث أشهر على عتبات عالم جديد متلصصًا ومستكشفًا، واكتشفت أني لا أفقه في مفرادته شئ. واقدر اعتبر نفسي بنهاية المدة دي انهيت أول مرحلة لي في العالم الجديد، اللي كان أغلبها استكشاف متخبط، وعدم استقرار.
أول مرة اعمل حصاد للعام، بس السنة دي كانت مختلفة عن أي سنة. بدأت ثلثها الأول بنجاح نسبي هادي مبشر، يمكن فيه شبه من عصرة برتقانة بلدي طازة، لكنه بينتهى عاصف والمركب بتتقلب في عرض البحر.
بندخل الثلث الثاني بكام خبطة نيكوتين قوية جدًا مع معدة فاضية، دخلوني في نيكوتين راش عنيف، مع مرارة شديدة وطعم جلدي عنيف، مكنتش فاهم معاها ده جلدي اللي بيتحرق ولا العالم اللي حواليا! كأن الرطوبة اختفت تمامًا والأيام زاد جفافها لدرجة التشقق، وازددت معاها هشاشة. دخلت جوا الـ"تيوب" بتاعي وقفلت على نفسي تمامًا. في الأوقات اللي زي دي بدعبس في الأدراج بدافع التنظيم الجزئي والتخلص من الرواكد اللي ملهاش لازمة. لاقيت عندي سيجار كوهيبا (سِجولو ٢) كان هدية من صديق، مركون من كام شهر عشان مستني المزاج يتعدل وأدخنه في قاعده رايقة. قلت طب ما أخليه هو سبب القاعدة الرايقة! وعشان كنت اسمع إن "كوهيبا" ماركة دخان معتبرة، فقلت لازم ادي السيجار حقه، وأشوف بيتقطع ازاي وإيه حلال يتشرب معاه، ده شكله سيجار ابن ناس مايستاهلش اقطعه بسناني وأولعه. طبعًا لجأت لأرشيف الزمان، السيد (جوجل)، عشان أعرف الطريقة. عنها والنداهة ندهتني. الموضوع طلع أكبر من مجرد أقطع وأدخن، ده ثقافة وإتيكيت وأسلوب ومدارس. ووسط اللفة دي اتكعبلت في صفحة على فيسبوك باسم (نادي الإسكندرية للسيجار)، ناس بتتكلم عن السيجار بشكل مفصل، تركيبه وطبقاته وطريقة لفة وتخزينه، وكم مصطلحات وألفاظ مش فاهم منها حاجة؛ بس عرفت إن قطع السيجار لازم له آداة مخصوصة، استبدلتها بالكاتر اللي باقطع بيه الورق. دخنت السيجار الهدية؛ وخلصت القاعدة معاه مبسوط وحاسس بنوع من الرضا عن نفسي. بعد فترة قصيرة، (نادي الإسكندرية للسيجار) عمل مسابقة داخلية في الجروب، وكسبت ٢ سيجار، واحد مصري (بارونيت) وواحد كوبي (روميو وجولييت ميلِ فلُيرز)، ولأني مكنتش أعرف وقتها إن السيجار له أصول للتخزين، فاتركنوا برضه أكتر من شهر لحد ما استحضرت المزاج الرايق المناسب للتدخين. وساعتها كرهت البارونيت، ومكنتش طايق طعمه، وماستحسنتش طعم الروميو وجولييت -اللي بعد ما جربته تاني بظروف تخزين مظبوطة نسبيًا متغيرش رأيي فيه، بعكس البارونيت اللي أصبح من مفضلاتي المحلية- بس كنت مبسوط برضه في آخر القاعدة. وفضلت فترة بعدها متردد في تدخين السيجار، لأن حسب ما فهمت من قراءاتي إنه بيتعارض مع تدخين السجاير، وده لأن السيجار بيعتمد في الأساس على حاسة التذوق اللي بتموتها السجاير! ومع التدخين المتقطع للسيجار، وتوكيد حالة السعادة والرضا اللي بأكون فيها بعد التدخين، هو نفس احساسي بعد وجبة الهزيمة -وهي حسب ما عرفها صديق عزيز بأنها وجبة دسمة تقيلة من اللحوم والشحوم، المشبعة بالدهن والزيوت، يليها دفعة صخمة في السكريات. وجبة قادرة إنها تنسيك آلامك وآلام قولونك، تطغى على أحزانك، وتعزز من فكرتك الإيجابية عن نفسك- قررت التخلي عن السجاير والانتقال لعالم السيجار. وبقيت عامل زي القروي الساذج اللي بهرته أضواء المدينة؛ وافد جديد في عالم السيجار، منغمس ومقبل باندفاع ولهفة البدايات للتجريب والاستطعام.
بنهاية الثلث الثاني وبداية الثلث الأخير من العام لقيت إن السيجار مش مجرد تدخين، ده هواية بحرها واسع، هواية بتضخم شهوة الاقتناء زي هواية الأعمال اليدوية مع شراء العدة، وهواة القراءة مع شرا الكتب - وأنا مضروب بالاتنين- مع تنوع مهول في أنواع السيجار يخلي الواحد مشتت، بيشتري عشان يجرب، وده بيخلي الواحد بيدخن وهو حالة استكشاف مستمر. مفيش استقرار. وتبقى بتختار السيجار اللي هاتدخنه وأنت عارفه وعارف بتختاره ليه، وهتشرب معاه إيه، وإلا القاعدة ممكن تقلش وتبقى عكننة عشان اختيار المشروب مش مناسب! كل ده بيخليني في حالة قراية ومذاكرة مستمرة، فأقع في غرام السيجار أكتر، لأنه مش مجرد ورق تبغ بندخنه وبس! ده بلاد وتوليفات وخلطات وتاريخ وإيحاءات وإكسسوار، شبكة ثقافية متعددة الطبقات بتندهك زي النداهة وتغرقك. عشان كده أقرب تشبيهين للسيجار عندي هم الكتب والسينما، بحر غويط، كل ما تغطس فيهم كل ما تكتشف من كنوزهم المخفية. وفي النهاية أنت الكسبان؛ كسبان متعة واستكشاف واطلاع.
اللي زود من تعلقي بالسيجار، إن غير من شكل استمتاعي بالأكل. واللي يعرفني كويس، عارف مدى استمتاعي وحبي للأكل، وإني بقدر الطبخة اللي مقدايرها مظبوطة ونفسها حلو. لكن ذوقي في التوابل محدود الأفق شويتين، مبحبش التوابل الزاعقة ولا الكتيرة في الأكل، ولو اتحطت تكون بكمية بسيطة أوي، وياريت ملاحظهاش. بسبب السيجار تقديري للتوابل زاد. أي نعم لسه مبحبهاش زاعقة في الأكل، بس بقيت بقدر وجودها أكتر، وممكن اقترح تعديلات فيها بالإضافة والحذف عشان الطعم يظبط أكتر. وللسبب ده اكتشفت إني بأفضل السيجار الـ"Full-body" ثقيل النيكوتين والإيحاءات، ولو السولوفان لونه بقى عسلي مش شفاف، معناها إن السيجار ورق وغلافة زيتي، ومتعتق مدة محترمة،؛ يعني داخل على تجربة دسمة.
فترة الست شهور أقصر من إني أبدأ أعمل قايمة مفضلات، لكن مع مرور الوقت، وكثرة التجريب خلتني أتمسك بأول ٣ سيجار أقع في غرامهم. أولهم سيجار H. Upmann Magnum 46 اللي عرفت فيه يعني إيه استطعم التوابل والتغير في نوتات السيجار كأنه سحر مش مجرد عمود تبغ سميك. وبسبب إعجابي بيه كان بداية التوثيق المصور و المراجعات.
ثانيهم سيجار Montecristo Dark no. 444 اللي لسبب أنا مش فاهمه لحد دلوقتي، قررت اشتري منه ١٠ قطع في وقت كنت لسه مش مستعد فيه للتخزين ولا مجهز أدواته، ولا حتى كنت أجرؤ اشتري من أي سيجار أكتر من قطعتين. وبمجرد ما سحبت أول واحد من السيلوفان ولقيته عسلي من الزيت اللي في الغلاف، قلبي رفرف، وأما ولعته اتأكدت إن قرار الشراء المتهور ده كان سليم ١٠٠٪.
ثالثهم كان My Father - La Antiguedad سيجار وَحشي بمقاس عملاق (6"*60) وغلاف "Maduro" زيتي الملمس، و"باند" عبارة عن لوحة فنية بديعة، وإيحاءات واضحة وقوية. كنت باكتب المراجعة بتاعته وأنا قاعد فوق السحاب حرفيًا.
المفاجأة اللي قابلتني بمجرد دخولي لعالم السيجار، هو الانتاج المصري متباين الجودة بشكل صارخ، بس مقبول لرخص سعره، واللي من غيره مكانش ممكن نصمد وسط أسعار السيجار المستورد المتوحشة. ولكثرة إصدارات المنتج المحلي، عندي منه طبعًا مفصلات، على رأسها (Baronet Petit Edmundo) الشهير بالقصير المكير (بارونيت) فخر الانتاج المصري، و (Mezzi Toscani) أو (توسكاني صغير) الحِرِش اللي مش محتاج تخزين، وكل ما تهينه أكتر كل ما يحلو أكتر.
وطبعًا كان في جايزة أسوأ سيجار، اللي أخدها عن استحقاق سيجار (جوانتاناميرا) بإيحاءات الكزبرة الناشفة، اللي يخليك تحس إنك قاعد في قلب طاسة تقلية بسمنة صناعي تقلب البطن.
اللي مستغربة إن داڨيدوف هي أكتر شركة دخنت من إصدارتها، وحبيتهم كلهم جدًا، بس مقدرتش أضم حاجة منهم لقايمة المفضلات! يمكن عشان عندي عشم إني هلاقي كتير لسه في"بليندات" وإصدارات داڨيدوف.
إجمالًا ٢٠٢١ كانت سنة مبشرة عمليًا في بدايتها، لكن ده مطولش وأظهرت قسوة شديدة عمليًا وشخصيًا حتى قرب نهايتها. سعيد باكتساب هواية جديدة، أجبرتني على الانفتاح والتجريب في وقت كنت منغلق على نفسي تمامًا.
انت برنس، وصفك جميل
ReplyDeleteبس انا مش بدخن و شكلك كدا هتجر رجلى للسيجار 😎
يدوم التشجيع والكلمة الحلوة
Deleteوطالما مبتدخنش يبقى خليك على وضعك واتفرج من بعيد
جميل جدا يا فريد
ReplyDeleteتسلملي يا مصطفى
Delete